منقذي الزائف بقلم بتول علي
وبين نفسه إذا كانت هبة قد حسمت أمرها وقررت أنها لن تجعل توفيق يهتم بقضيتها فلماذا طلبت منه في الأمس أن يلتقي بها حتى تأخذ مشورته!
هل يعقل أن يكون قد سقط مثل الأبلة في فخ نصبته هبة باحترافية شديدة جعلته لا ينتبه لتلك الحيلة إلا بعد فوات الأوان!
قبل أن يفكر عقله في إجابة لهذا السؤال أتاه اتصال من شخص يدعى خميس فزفر بضيق وأجاب على هذه المكالمة بصوت جهوري أظهر شدة غضبه
احتدت نبرة خميس بسبب الأسلوب السيء الذي يتحدث به مالك معه وكأنه عبد اشتراه بمال والده
اتعدل كده وأنت بتتكلم معايا بدل ما هوريك الوش التاني ومش معني أني ساكتلك يبقى تسوء فيها يا جدع أنت
صاح مالك بنفاذ صبر بعدما زفر بحنق فهو يشعر بغيظ شديد بسبب تصرف هبة ولا ينقصه في هذه اللحظة سماع صوت خميس
سمع صوت خميس الغاضب وهو يقول
عايز فلوسي اللي لحد دلوقتي مش أخدتها منك وإلا هخرب بيتك وهدمرك
رفع مالك حاجبيه هاتفا بتهكم ناتج عن ثقته التامة بعدم قدرة خميس على إيذائه
فلوس إيه اللي عايزها أنا قولتلك تموته بس هو لسة عايش لحد دلوقتي وده معناه أنك ملكش عندي جنيه واحد
اعمل كل اللي نفسك فيه وأعلى ما في خيلك اركبه يا شاطر فهمني كده أنت هتعمل إيه مثلا هتروح تقول أنك أنت اللي خبطت أحمد باللوري بتاعتك وكنت عايز تموته عشان أنا طلبت منك تعمل كده مقابل شوية فلوس مش هتنفعك لما تترمي في السچن!
يعني ده يبقى أخر كلام عندك
وكانت إجابة مالك هي أنه أغلق الخط في وجهه دون أن يكترث لتهديده لأنه لا يوجد
شخص عاقل منقولا إلى منطقتهم من مدة قصيرة ولا يعرف أي شيء عن أحوالهم
حيلك علينا يا حضرة الظابط واعرف الحكاية الأول وبعدين عاتبنا الأستاذ يحيى كان على طول بيعمل مشاكل مع أهل المنطقة لأنه كان نسوانجي وبيعاكس البنات هنا في الحارة والخلافات بينه وبين الناس كانت أحيانا بتوصل للقسم بس الأمور كانت بتتحل بعد ما كان الأهالي بيعملوا قعدة رجالة عشان سمعة المنطقة
وأدرك سبب عدم اهتمامهم بجارهم الشاب وقلة سؤالهم عنه بشكل دوري مثلما يفعلون مع بعضهم البعض
أومأت أم لمياء مسترسلة في الحديث شارحة بعض التفاصيل المتعلقة بحياة يحيى حتى تتضح الصورة بشكل كامل أمام الضابط
أيوة يا باشا ومش بس كده ده من بجاحته راح جاب واحدة من إياهم على البيت هنا وقال أنا حر ومحدش له دعوة بيا بس الناس وقفتله ووقتها هو اضطر يمشي البنت دي وعشان كده
أخذ الضابط يستغفر الله فهذا الموقف قد جعل بدنه يرتجف
أخذت هبة تتأمل محبس خطبتها من مالك وهي تفكر في كل ما جرى الفترة الماضية وتأكدت أنها قد ظلمت نفسها عندما تسرعت بالموافقة التي لم يكن لها سوى سبب واحد وهو أنها أرادت أن تنسى أحمد وتخرجه من قلبها ولكن هذا الأمر لم يحدث
لم يخرج أحمد من قلبها كما أنها صارت غير مطمئنة من ناحية مالك ولكن يجب عليها أن تهدأ ولا تتخذ أي قرار متسرع في الفترة المقبلة قبل أن تتأكد من شكوكها
يجب عليها أولا أن تتأكد إذا كان أحمد هو من قام بالفعل بنشر تلك الصور المفبركة أم أنه صادق في قوله بأن هناك شخص أخر هو من فعل ذلك حتى يوقع بينهما
إذا كانت تريد أن تتأكد من حقيقة نشر الصور فيجب عليها أولا أن تعرف إذا كان أحمد قد عاد بالفعل إلى الإدمان مثلما شاهدت في مقطع الفيديو الذي تسبب في انفصالها عنه أم أن هذا الأمر كان هو الأخر مجرد خدعة سقطت في فخها بمنتهى السهولة
ارتدت هبة ملابس مناسبة للخروج ثم حملت هاتفها ووضعته في الحقيبة وغادرت المنزل قاصدة المستشفى التي كان أحمد يتعالج بها بعد تعرضه للحاډث
وصلت هبة إلى المستشفى وسألت موظفة الاستقبال عن الطبيب يوسف الذي كان مشرفا على حالة أحمد طيلة مدة بقائه في الغيبوبة
شكرت هبة موظفة الاستقبال بعدما أخبرتها بمكان المكتب ثم توجهت نحوه ولكن توقفت بعدما رأت يوسف وهو خارج من إحدى الغرف الأخرى
وقعت عيني يوسف عليها فرحب بها ودعاها إلى مكتبه قائلا بابتسامة
أتمنى أني أقدر أساعدك وأن تكون زيارتك للمستشفى مفيدة
ابتسمت هبة قائلة بهدوء
شكرا لحضرتك يا دكتور أنا بس كنت عايزة أتأكد من حاجة ومفيش أي شخص غيرك يقدر يساعدني
اتفضلي يا هبة أنا تحت أمرك
قالها يوسف بلطف جعل هبة تطمأن وتثق أنه سوف يساعدها
أحمد لما جه هنا المستشفى أكيد اتعمله تحاليل ډم عشان تعرفه فصيلته مش كده برضه
أومأ لها يوسف لتتابع بتساؤل
طيب هي التحاليل
دي ظهر فيها أنه بيتعاطى حاجة
فتح يوسف حاسوبه وأخذ يبحث في سجلات التحاليل الخاصة بالمرضى التي يحتفظ بها تحسبا لأي حالة طارئة
استمر يوسف في البحث لبضع دقائق إلى أن وجد ملف التحليل الخاص بأحمد فأخذ يقرأه بعناية ثم نظر إلى هبة وأجاب
أنا عارف أنه كان مدمن قبل كده وواضح أن فيه أثار خفيفة نتجت عن أعراض الانسحاب أثناء عملية علاجه من الإدمان والتحليل اللي قدامي ده بيأكد أن مفيش في دمه أي جديدة يعني باختصار شديد هو مرجعش تاني للإدمان من ساعة ما اتعالج
وكان هذا الكلام بمنزلة صڤعة على وجه هبة فقد تأكدت الآن أنه تم
التلاعب بها حتى تنهي خطبتها بأحمد والآن صار من الواجب عليها أن تتأكد إذا كان أحمد بالفعل هو من قام بفبركة تلك الصور مثلما أخبرها يحيى الصديق المقرب لأحمد أم أنه كڈب عليها
انتهى أحمد من تأدية صلاة الظهر فقد أصبح يواظب على الصلوات في أوقاتها بعدما استيقظ من الغيبوبة وأدرك أن المۏت قد يأتيه في أي لحظة ويجب عليه أن يصحح الكثير من الأشياء الخاطئة التي كان يقوم بها في الماضي وأول هذه الأمور هو أنه لم يكن يلتزم بالصلاة
خرج أحمد من غرفته وجلس أمام التلفاز قبل أن يصدع هاتفه بتلك النغمة التي خصصها لرقم محمد
ابتسم أحمد وهو يجيب على الاتصال قائلا بعدما فتح مكبر الصوت
طالما اتصلت فده معناه أنك قدرت توصل لحاجة وأكيد أنت عرفت يحيى كان غطسان فين طول الفترة اللي فاتت
تنهد محمد قائلا بحزن لأن وجود يحيى كان سوف يساعدهم في الوصول للحقيقة أما الآن فقد انقطع الخيط ولم يعد هناك أي دليل يثبت أن مالك سماعة الهاتف وهو ينادي على ابنها وعلمت من رضا أن يحيى قد تم العثور على جثته داخل منزله
أمسكت أماني الهاتف وتحدثت مع محمد وهي تبكي بشدة ثم أنهت المكالمة وجلست بجوار ابنها تربت على كتفه وتواسيه فهي لا تملك أي شيء يمكن تقديمه لأحمد في هذه اللحظة سوى مواساته والتخفيف عنه
انقبض قلب وهاجي أقولك
قبل أن يعترض الرجل على حديثها أغلقت أحلام الباب في وجهه وسارت نحو غرفة نومها بسرعة وهي ترتجف وعندما وقع بصرها على زوجها الذي سألها عن هوية الطارق صاحت بړعب
الحقني يا عماد الله يسترك فيه واحد واقف برة الشقة شكله عامل زي هولاكو وبيسأل عليك وواضح أنه مش مظبوط وشكله كده بلطجي حد مسلطه علينا
تعجب عماد من خوف زوجته الذي لا يوجد له أي سبب منطقي ثم أزاحها بلطف من طريقه وتوجه نحو الباب وفتحه ووجد الرجل لا يزال واقفا ولم يتزحزح من مكانه قيد إنملة
استغرب عماد بعدما وقعت عيناه على الرجل لأنه لا يعرفه ولم يسبق له رؤيته من قبل وسأله بهدوء
خير يا أستاذ ممكن أعرف أنت مين وبتسأل عليا ليه وتعرفني منين
ربت الرجل على بقوة هاتفا بتفاخر وكأنه شخص ذات شأن كبير يحسب له الجميع ألف حساب
محسوبك خميس وجاي هنا لحد باب بيتك لأن في حوار بيني وبين مالك ابنك وهو مش راضي يخلصه معايا بالذوق وعشان كده قولت أتكلم معاك وأشوف أنت هتحل الموضوع ولا أتصرف مع ابنك بطريقتي
تملك الخۏف من عماد وشعر أن ابنه قد ارتكب مصېبة والدليل على ذلك هو معرفته بهذا البلطجي
أشار عماد لخميس بالدخول والسير خلفه إلى أن وصلا إلى غرفة الصالون وقد جلس خميس دون أن يستأذن أو ينتظر دعوة من صاحب المنزل
حمحم خميس قائلا بخشونة وهو يعقد حاجبيه بحدة بسبب غدر مالك وعدم التزامه بكلمته
بص بقى يا أستاذ عماد المحروس ابنك كلفني بمهمة وأنا نفذتها على أكمل وجه والمفروض كان يديني باقي فلوسي بس هو فضل يماطل معايا وجه النهاردة اعترف أنه مش هيديني حاجة وقالي أعلى ما في خيلك اركبه
نظر له عماد باستغراب وهتف باستفسار يريد أن يعرف لماذا استعان مالك بهذا البلطجي وما نوع العمل الذي جعله ينجزه
وإيه هي المصلحة اللي
أنت عملتها لابني وبعدها أكل
عليك فلوسها! لو أنت عايزني أجيبلك حقك فلازم تكون صريح معايا وتقولي كل حاجة
أجابه خميس بصراحة ودون أن يفكر في تأثير حديثه على عماد الذي اتسعت عيناه وهو يستمع إلى كل كلمة
مالك طلب مني من فترة طويلة أني أخبط واحد بالعربية اللوري بتاعتي وهو في المقابل هيديني فلوس بس ڼصب عليا وقال أنا كنت عايزه ېموت وأنت مش قټلته
شعر عماد بقبضة تعتصر قلبه وبدأ الشك يلعب في رأسه وحتى يتأكد مما يدور في عقله نهض دون أن يتحدث بكلمة واحدة
توجه عماد إلى غرفته وأمسك بهاتفه ثم خرج مرة أخرى تحت نظرات زوجته التي ينهش الخۏف قلبها بسبب رؤيتها لخميس صاحب النظرات الإجرامية
دلف عماد إلى غرفة الصالون ثم فتح هاتفه وعرض أمام عيني خميس صورة تجمعه بأحمد وهو يسأل
هو ده الشاب اللي مالك قالك تخبطه وكان عايزك تموته بالعربية اللوري بتاعتك
أومأ خميس بإيجاب قائلا بغلظة فهو يشعر پغضب كبير لأنه لم يتمكن من القضاء على أحمد في يوم الحاډث
عليك نور يا أستاذ عماد هو ده غريب أنا أبقى مجرد عبد المأمور وابنك هو اللي قالي أعمل